سباق .. سباق ..
سباق هى الحياة ..والجميع فيها يهرول
ملايين تجرى .. ومقعـد فى المكان الأول
الكل يسابق نفسه .. بل يسابق حـلمه
فيصير البعض مشاهداً ..
والبعـض ينأى جانباً ..
وها نحن فى سباق لأفضل شاعـر ..
———————————————
الكل يجهز نفسه .. يُخرج أفضل ما عـنده
فلابد من عمل جاد .. يعـلو به فوق الآخرين ..
فكم من أيام باتوا يحلمون بقرب الموعـد
وكم من ليلة قضوها بين الأقلام والأوراق
الكل يحدوه الأمل فى جائزة تـُسعـد ..
تعوّض تعب الفكر وساعات الإشتياق ..
——————————————–
صاحبنا فى غرفته .. مغلقاً بابه
جالس خلف النافذة .. على مكتبه الصغير ..
ممتطياً كرسيه من خلاف .. ممسكاً بالقلم والأوراق
يُغمض عينه .. يعصر فكره .. يلملم أطراف الكلمات
يُنظم قصيدته العصماء .. يصارع المعانى والمفردات
كصياد يلملم شباكه .. ليرى ما جنته الرميات
——————————————–
يفكر لحظات ثم يكتب كلمة ..
ينظر فى سقف الحجرة ..
يمحص فى اللاشئ .. ثم يعود فيكتب أخرى
يجافيه النوم .. الحلم .. حتى الأمل
هل يكفيه الغـد لينهى قصيدته ..!؟
هل يكفيه لو بات ليله يقظان لا يمل ..؟
يأخذ نفساً عميقاً ..
يخرجه زفيراً سريعاً ..
يثبت عينيه فى لوحة على جدار الغرفة
يتذكر صور الماضى ..
الذكريات تُعيد نفسها ..
حكايات الطفولة والصبا تتجد ..
وفى الخيال الرحب تًوسع لنفسها مكان ..
تنسيه هموم الأمس وعسرات الزمان
————————————————–
تمر الساعات ثقالاً … يفيق ..
لم يبقى أمامه سوى الغـد .. فقط الغـد
يُلقى أقلامه .. يُشبك أصابعه .. يُمدد قدميه
يُريح الرأس إلى الخلف ..
يرمى ببصره من النافذة ..
ينظر إلى السُحب المترامية ..
يخطفه سحر المنظر ..
تكوين فإندماج فإختفاء .. ثم أتبع
يمَـل .. يقف على قدميه ..
يخطو نحو النافذة ..
يُطلق العنان لعينيه ..
يلمح على البُـعـد يمامة تطير ..
تقترب شيئاً فشيئاً ..
تقف على الشجرة المقابلة ..
مُجهدة هى ومتعبة ..
تلتفت حولها .. تطمئن على سلامتها ..
تنحنى لتطعم صغيرها ..
يأكل من فمها وكأنه يتشاجر معها ..
والآن .. الآن جاء الميعـاد ..
ترفرف بجناحيها .. تـُهـيل عنها عناء جلب الزاد
تنظر إلى صغيرها ..
تمسك به .. تخرجه من العـش
يقفان سوياً على فرع الشجرة ..
مدرب هى أمام تلميذه ..
يستعد لأول درس فى حياته ..
ترفرف بجناحيها .. تـُزيل الرهبة ..
تـُلقى فى أعماقه ما خـَلـُصَ ليبقى ..
تهدل بلغة لا نفهمها ..
تـُسمعـه حكماً شتى ..
فكم من شبل قـُتل دون عشيرته ..
وكم من صغـير أطاحته قـلة حيلته ..
وطائر نالته السهام لقصر بصيرته ..
وآخر فى عـُشه لم ينتبه .. مات للحـظـته
————————————————-
الصغير يبقى ساكناً .. خائفاً .. يترقب
تـنـقـره فى رأسه ..
تحفـزه على المحاولة .. يهرب
تـُعـيده ثانية .. تقف أمامه .. ترفرف
يفرد الصغـير جناحيه .. يرفرف بهما
يأخذه الحماس بلا خوف ..
فأمه بعيدة قريبة منه ..
يرفرف أكثر .. يرتفع قليلاً ..
لكن يـفـقـد توازنه .. فـيسقـط فى مكانه
تدفعه أمه لـُـيعـيـد الكـَرة ..
فـللبداية بضع مرات .. وللإتـقـان مائة مرة ..
يحاول .. يتقدم خطوة ..
فـيـُعـيـد .. يتقدم أخرى .. ثم يسقط ..
————————————————–
صاحبنا يتابعهما بعـينيه ..
يردد فى نفسه ألف سؤال لإجابة واحدة ..
تسرع ضربات قلبه ..
وأسرع منها قلب الصغير ..
لم يعد على الفرع سوى خطوة واحدة ..
فإما الفوز أو نهاية المصير ..
يرفرف .. يميل برأسه ..
يـُلقى بنفسه فى آتون السقوط ..
يرى الموت يجول فى الهبوط ..
ترتفع الدنيا من حوله ..
أشجارها .. طيورها .. هواؤها ..
يتملكه الخوف بشده ..
وأمه القريبة البعيدة تراقبه ..
يفرد جناحيه .. يعاكس ريح السقوط ..
يعلو وينخفض وكله نشوى ..
يطلق صوته بعد طول سكوت ..
يطير مبتعداً عن العـُش ..
كل العـيون تنظر .. كل الأنفاس تـُسرع ..
ولم يبقى سوى صوت الشجر ..
وفروع يداعـبها النسيم منذ السَحر ..
ونافذة من خلفها طال النظر ..
وأمانى ذهبت ..
وتعود فى الصباح إذ ظهر ..
وشمس أرضعت الكل دفئاً .. من الصغر إلى الكبر ..
ونهج قويم – وإن لم تراه .. يسير عليه كل البشر ..
————————————————–
يعود صاحبنا إلى أوراقه .. يملؤه الأمل ..
ينهمر الوحى .. يـُكمل القصيدة ..
فهذه هى الدنيا ..
خوف وأمل .. تعب ونجاح ..
تارة عـنيدة .. وأخرى يسيرة ..
وهذه مشيئة الله ..
تحركنا ما بين الشاطـئين ..
فهل أنت يا إنسان لسرها قـد وعـيـت !؟