يا عالماً بحال العباد وحالى ..
ومفرجاً للكروب من سهل ومحال ..
وماحياً للغم وهمُ الليالى ..
لا حول ولا قوة إلا بك .. أنت منقذى وملاذى
بشر أنا ضعيف .. كباقى بنى آدم
ويزيد من ضعفى ذاك القرين الماثل فى مرآتى
قضيت سنين عمرى وهو فى معيتى
جاثم فوق صدرى ..
ملازماً لى فى صحوى وفى نومى ..
ممسكاً بأذنى يقودنى حيث يريد ..
وسؤال يتردد فى عقلى بين الحين والحين ..
لما أنا هكذا .. ؟
لما أنا لين كالعجين .. أتشكل حسبما يشاء .. ؟
لما أنا فاتر كالماء .. أتلون من إناء لإناء .. ؟
أما آن لى أن أتغير .. !؟
أما آن لى أن أنفجر .. وأتبعثر إلى أشلاء ..
أجُمعها أنا كيفما أهوى ..
وأكـوّن نفسى وألملم ذاتى
فى زمن غير الذى كنت أعيش فيه وأحيا ..
فتحت عينى .. وكشرت عن أنيابى .. وأشرت إليه بأصبعى …
أيها القابع فوق كتبى وأقلامى .. إرحل
أيها الرفيق فى سفرى وترحالى .. إرحل
أيها المنغص لحياتى وأحوالى .. إرحل
ناشدتك الله أن ترحل …
فحياتى عدم والموت عُـدت أتمناه ..
وسجنت نفسى مع يأسى .. وبات الفشل لى أقرب
عرفت أناس وفارقت أناس ..
ورحلت إلى بلاد لا أعرفها ..
وأكلت طعاماً لا يؤكل ..
وسكنت بيوتاً لا تُسكن ..
وإستقبلت مواليد كُـثر ..
وشيعت الموتى إلى القبر ..
وعصيت الله حيناً .. فلم أقدر
وعدت فإستغفرته وهو أعلم
بالذنب حين يصغر أو يكبر
وهو القادر على فضح الفعل .. أو للعيب يستر
وتمنيت أن أضيعك أو تفقدنى ..
فى طيات زحام عمرى ..
ولكنك كالنقش مطبوع فوق ردائى
متشبسُ كالوشم محفور على جلدى
كإسمى الذى فى البطاقة ..
أو كشعرى الذى فوق رأسى ..
ألم تمل مصاحبتى ..؟
ألم تسأم مرافقتى ..؟
أعرف أنك ستقول لا ..!
ولكنى وبمل فمى .. أقول نـعـم ..
لقد سئمت جلوسك فى الشرفة عند الغروب
محدقاً فى الأفق .. مُلقياً بنفسك فى اللاشئ ..
هامد كيانك .. متعبة أوصالك ..
لقد سئمت شكواك من الحال ..
مستكين طوال عمرك وكسول ..
فأنت لست بمتعب أو سقيم ..
إنما مات بداخلك الطموح ..
أنظر حولك مرة .. بل مرات ومرات
البعض يجرى وراء حُلمه ويأمل فى المزيد
والبعض يسعى لرزقه ولو طرق الحديد
والبعض فى الطرقات يتسول ..
إما لحاجة أو للمال مكتنزِ
وأنت بقيت هكذا ..
ورضيت أن تكون مع الخوالف غير مكترثِ
وبت كالشجرة التى ماتت جذورها فذبلت
ووسدت لنفسك قبراً .. فأنرته وإستأنست به
لقد كرهت نظرتك بالتسليم حين الفشل
وكرهت إنكسارك حين يموت الأمل
بل كرهت إبتسامتك الممزوجة بالحسرة .. دون مرض أو عِـلل
فلترحل إذن إلى حيث جئت ..
أو فلتمت صامتاً إن شئت ..
فلم أعد أعبأ بك ..
نعم سيكون الأمر صعباً ..
قد أقع .. وقد أترنح
قد أحبو .. وقد أهرول
أو أمشى بلا هدف ..
أو أعانى كثيراً وأبكى
لكنى سأكون وحدى ..
بلا تردد أحسم أمرى
يمكن أن أبدأ من الصفر ولا عيب
فالمرء دوماً يتعلم من المهد إلى الشيب
لكنى وعيت جيداً الدرس ..
ذاكرته مراراً وحفظت فصوله ..
ولن أرسب فيه ثانيةً ..
وسأصنع من عزمى ومن إصرارى سيفاً
وسأطعنك به إن قابلتك صدفة ..
وسأجعل من نجاحى يـداً
أصفعك بها إن إردت الرجوع يوماً
فلتنزل هاهنا .. ولتأخذ معك أحمالك ..
ولتحط فى هذا المكان رحالك ..
ولتخرج منى .. فلم أعد أطيق إحتمالك
فلقد تقيأت ما أشبعتنى إيـاه .. ولفظتك من أعماقى
واليوم .. بل الآن .. أغلقت كل أبوابى ..
وسددت فى وجهك كل نوافذى ..
وكسّرت أسرى .. وفككت قيودى ..
وسأنكب على نفسى أساعدها لتنهض ..
وإن عُـدّتَ .. فلن تجد نفس الكائن الذى إعتدت ..
ولن تجد الظلمة التى بنيت ..
ولن تجد الصمت الذى أحببت ..
ولن تجد الذل الذى أنبت ..
فلقد أسدلت الستار على مشهدك الأخير ..
وأنهيت دورك الذى لعبت ..
فلتبحث عن عائل آخر .. ودور آخر ..
تُـعيد معه فصول الرواية من جديد ..
فقلد هدمت المسرح .. وبنيت سُلماً وبيتاً ..
سُلماً لأصعد عليه وأرتقى ..
وبيتاً لأسكن فيه وأتقى ..
وسأدعو أحبابى ورفاقى ..
ليشهدوا ميلادى ..
ولن أنتظر غروب الشمس كل يوم ..
بل أنتظر شروقها وضحاها ..
ومن قبلها فجراً بالأمل يأتى ..
فإرحل يا صاحب السوء بلا رجوع ..
فاليوم مِـت .. ومات إسمُك عندى ..
وولـدت أنـا مـن جـديـد ..